جلست نهال فى زاوية مظلمة تبكى بعد أن مات خطيبها حاتم ، فى حادثة على الطريق الدائرى منذ شهر مضى ، وهى تتخليه يحدثها : نهال لا تنسينى أنا حبكِ وحياتكِ.
راودتها نفسها مرارا بأن تهرب من الذكريات بإيذاء نفسها ، إلا أن إيمانها بالله قد منعها ، قامت مفزوعة لما شعرت بتيار هواء بجوارها ، وهمسات : نهال ..نهال حبى الجميل.

وضعت يدها على الحائط وبصوت صريخ عال : حاتم كفى كفى ..
عندما سمع والدها هذا الصوت العالى ، دلف لغرفتها محتضن إياها : إبنتى مابكِ؟ هل جننتى؟ لقد مات حاتم ولن يعود!
فكتمت نهال باقى صرخاتها بنزيف مؤلم وأردفت : لكنه يتحدث معى كل ليلة وكل يوم ، كأنه معى كروح شريدة يا أبى .
ربت الأب على كتف نهال بحسرة : هذه هلوسات بسبب حبكِ الشديد له ، لكنه مات ولن يعود .
مضت أيام قليلة وهدأت نهال قليلا ، إلا من بقايا نبضات قلب عالقة فى الوجدان ، وعادت للعمل فى مكتبها الخاص فى الجمعية النسائية لسيدات الأعمال ، عندما دخلت تذكرت أنها قد تركت أوراق العمل فى المنزل ، فتنهدت قائلة : حظ سىء !!
بعد أن تخطت ذلك أنهت عمل يوم واحد من الشهر الذى مر ، فى حزنها القاتل الذى أزهق ضحكتها الخجولة.
فى خضم العمل مر طيف حاتم كطيف سحابة مطر فى صيف حار شديد الحرارة ، رغما عنها بكت بصمت ثم أغلقت دفتر الأوراق بعنف ، وقررت العودة للمنزل ودموعها تقتل روحها ببطء مثل الرصاص.
ليال مرت وجسدها أصبح نحيفا ، لم تعد تأكل بل تشرب الماء وتتغذى على ذكريات مضت قد أوقعتها فى وجع ومرض قاتل.
جاء الطبيب ليعالجها وتحسر على ألمها النفسى العنيف ، فلا علاج سوى حذف ذكراه من خيالها ، لكن لاسبيل لذلك مطلقا.
لم ينفعها العلاج النفسى بل تدهورت الحالة وأخذ صوتها يعلو : أنا روح معذبة ، فأنا ملعونة بلعنة الحب الأبدى.
زاد الوضع سوءا وشحب وجهها ، فمالت نفسها للوجع كما تميل الشجرة مع الرياح ، وقبل أن تموت رأت حاتم يمسك بيديها ويهتف : حبيبتى ياكنزى الدفين سنكون معا للأبد.